التركيز على الاتجاهات المستقبلية ودوره في التغلب على التحديات الراهنة

megatrends

يمر العالم اليوم بتحديات غير مسبوقة. وعلى ضوء حالة التعقيد التي تؤثر بشكل كبير على المشهد الاستثماري، بات من الضروري بالنسبة لقادة الأعمال والمستثمرين العالميين، العمل وفق رؤية طويلة الأمد، وإدراك طبيعة الاتجاهات العالمية الكبرى والتحولات الهيكلية الفاعلة وواسعة النطاق التي تؤثر على عالمنا اليوم.

وتمثلّ الظروف المالية الصعبة، وضغوط الركود الاقتصادي، واضطرابات سلسلة الإمداد، ومهددات أمن الطاقة والأمن الغذائي، إضافة لمجموعة من القضايا الأخرى، تحدياً حقيقياً لقادة الأعمال وبشكل لم يسبق له مثيل. لذا يجب عليهم التعامل مع هذه التحديات وفق رؤية بعيدة الأمد، والتركيز على التغيرات والتحولات المستقبلية التي سيكون لها تأثير كبير على طريقة حياتنا وعملنا واستثمارنا.

وبالنسبة للمستثمرين على المدى البعيد، كشركة مبادلة للاستثمار، يلعب فهم الاتجاهات الكبرى دوراً مهماً في تحديد فرص ومجالات النمو، والتقليل من المخاطر، والاستفادة من الاتجاهات الناشئة التي لديها القدرة على التأثير في الصناعات التقليدية وإيجاد صناعات جديدة.

ونحن في مبادلة حريصون على تبني استراتيجية استثمار ذات توجهات مستقبلية، ونعمل على توظيف استثماراتنا بما يتماشى مع نهجنا الاستثماري طويل الأمد، وينسجم مع التوجهات الكبرى، لتعزيز وتشكيل محفظة أعمالنا بصورة ملائمة، وتحقيق أداء مستدام طويل الأمد، والعمل على إحداث تأثير إيجابي للأجيال الحالية والمستقبلية.

وفي إطار سعينا لتطوير استراتيجية عملنا بصورة مستمرة، نحرص وبانتظام على تحليل ودراسة أثر الاتجاهات الكبرى على منهجية عملنا، وذلك لضمان بقائنا في الطليعة. ومن أجل استقراء أفضل لتوجهات السوق في مختلف مناطق العالم وعبر أجيال مختلفة، بادرنا هذا العام برعاية دراسة بالتعاون مع مجموعة بلومبرغ الإعلامية، حول الاتجاهات العالمية الكبرى وتأثيراتها المتوقعة على عالمنا اليوم.

وقد استندت الدراسة إلى بحث استقصائي شمل أكثر من 1800 مشارك من دول مختلفة من العالم؛ من الغرب (الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا) والشرق (الهند والصين)، بالإضافة إلى مشاركين من دولة الإمارات العربية المتحدة. وقد توزع المشاركون في الدراسة على عدة شرائح منها المستثمرون، وجيل الألفية والجيل الجديد ممن هم في سن العشرين، الذين يمثلون أحدث وأكبر شريحة من القوى العاملة والمستهلكين، وقد تناولت الدراسة خمسة اتجاهات رئيسية كبرى تؤثر اليوم على القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهي: التغييرات البيئية وبالأخص تغير المناخ؛ والتحولات الديموغرافية بما في ذلك شيخوخة السكان والتحولات بين الأجيال، وظهور التقنيات الرقمية، والنمو الحضري، وعدم المساواة.

ووفقاً لنتائج الدراسة، يمثل تغير المناخ أكبر خطر على العالم اليوم، متقدماً على جميع المخاطر والتحديات الأخرى، فهو يؤثر على الصحة، ويؤدي إلى تدهور البيئة، ويضر بالأعمال والاستثمارات، مما يؤكد الحاجة إلى مزيد من الاستثمار في مجال تحوّل الطاقة، والانتقال إلى اقتصادات منخفضة الكربون. وتُظهر نتائج الدراسة أيضاً أن المناخ يوفر أكبر المجالات والفرص الممكنة أمام الشركات لتغيير العالم نحو الأفضل، وذلك وفق أراء المشاركين في الدراسة.

لقد حرصت مبادلة على الاستثمار مبكراً في مجال تحوّل الطاقة، حيث أسست في عام 2006 شركة "مصدر" والتي أصبحت اليوم واحدة من أبرز شركات الطاقة المتجددة في العالم، وامتد نشاطها إلى أكثر من 30 دولة، ويتركز عملها في تطوير حلول الطاقة المتجددة وتسويقها ونشرها. وتستهدف الشركة الوصول بإنتاجها إلى 100 جيجاواط من الطاقة المتجددة بحلول عام 2030.

وبالنسبة للتقنيات الرقمية، فقد تم تصنيفها من قبل المشاركين في الدراسة على أنها الاتجاه الأبرز الذي سيكون له صلة كبيرة ومباشرة بالمستثمرين والشركات. إذ تعمل التكنولوجيا اليوم وفي جميع أنحاء العالم كعامل تمكين، حيث تدعم جهود الأفراد والشركات والمجتمعات لتطوير حلول لمعالجة التحديات والمخاوف البيئية، والمساعدة في القضاء على ندرة الغذاء، وسوء الصرف الصحي، وعدم توفر فرص التعليم، والفقر وغير ذلك من القضايا الصحية والاجتماعية.

وتستثمر مبادلة بشكل كبير في مجال الابتكارات التكنولوجية المتطورة، بما في ذلك أشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي والتنقل المتقدم والقيادة الذاتية وزيادة التحوّل الرقمي في قطاعات الأعمال. الأمر نفسه ينطبق أيضاً على دورنا في تأسيس منصة "Hub71"؛ التي تعمل على دعم وترسيخ مكانة أبوظبي كمركز عالمي للشركات الناشئة والابتكار في مجالات متنوعة مثل تكنولوجيا المناخ، والتكنولوجيا المالية، والتكنولوجيا الصحية وغيرها.

واتضح من نتائج الدراسة وجود قلق في أوساط مختلف الفئات العمرية بشأن تأثير التحولات الديمغرافية على نوعية الحياة، والكفاءات، ومستويات الفقر ومستوى الإنفاق في القطاع العام. ويرى المستثمرون من جانبهم أن التحولات الديموغرافية هي أهم الاتجاهات الكبرى التي تؤثر على أعمالهم واستثماراتهم اليوم، إذ يشكل ارتفاع معدلات الشيخوخة تحديات لبعض الدول، بينما يساعد على إيجاد فرص ومجالات عمل جديدة.

وفي هذا المجال، تعمل مبادلة على الاستفادة من التغيرات الديموغرافية من خلال الاستثمار في قطاع الصحة، إذ تحرص على التركيز على مجالات الصحة والسلامة ونوعية الحياة وإطالة الفترة العمرية، وتغيير أنماط الاستهلاك مع التركيز على مفاهيم الاستدامة والتوافق التكنولوجي. ففي مجال الرعاية الصحية، دعمت مبادلة جهود أبوظبي لتطوير قطاع رعاية صحية متمكن وعالمي المستوى من خلال إنشاء مستشفى كليفلاند كلينك أبوظبي، فضلاً عن تدشين شبكة واسعة من مرافق الرعاية الصحية ذات المستوى العالمي، التي تقدم مجموعة متنوعة من الخدمات في أكثر من 60 تخصصاً طبياً، وقد ساهم هذا في تلبية احتياجات الرعاية الصحية المتخصصة في أبوظبي ودولة الإمارات، وقلّل من حاجة المرضى للسفر لتلقي العلاج إلى الخارج.

وبشكل عام، عززت هذه الدراسة الاعتقاد السائد بأن الشركات التي تأخذ الاتجاهات الكبرى بعين الاعتبار ضمن استراتيجيات أعمالها، تستفيد عادة من هذا التوجه وينعكس إيجاباً عليها. ويتوقع المشاركون في الدراسة أن تلعب الشركات دوراً كبيراً في الاستجابة للاتجاهات الكبرى، حيث أتفق على هذا الرأي وبقوة ما يقرب من 95٪ من المشاركين في الدراسة من الهند، و91٪ من دولة الإمارات، و85٪ من المشاركين من الولايات المتحدة.

وتحرص مبادلة على الاستثمار في التوجهات الكبرى من خلال تحديد الفرص الاستثمارية التي تتوافق مع نهجنا الاستثماري طويل الأمد، وتركيزنا على تحقيق عوائد مستدامة بمرور الوقت. وسنواصل العمل في مبادلة على توظيف استثماراتنا على المستويين المحلي والعالمي، والشراكة مع أبرز الشركاء العالميين الذين ينسجمون معنا في الرؤية والنهج، وبما يتيح لنا مساعدتهم من أجل تسريع وتيرة النمو، والعمل على إحداث تأثير إيجابي ومستدام للأجيال الحالية والمستقبلية. وهنا في دولة الإمارات، التي تمثل حلقة الوصل بين الشرق والغرب، سنواصل العمل على تعزيز الشراكات مع شركائنا ونظرائنا لترسيخ أسس التعاون البناء، والعمل على إيجاد حلول لأكبر وأهم التحديات التي تواجه العالم اليوم.

human